اللغات المتاحة للكتاب Indonesia English

77 ــ باب الغضب إذا انتهكت حرمات الشرع والانتصار لدين الله تعالى

قال الله تعالىٰ: {وَمَن يُعَظِّم حُرُمَٰتِ ٱللَّهِ فَهُوَ خَيرٞ لَّهُۥ عِندَ رَبِّهِۦ} [الحج: 30]، وقال تعالىٰ: {إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُركُم وَيُثَبِّت أَقدَامَكُم} [محمد: 7].

هداية الآيات:

1) الترغيب في تعظيم شعائر الله وحرماته، فعلىٰ العبد أن يغضب لذلك، وهذا هو الغضب المحمود.

2) نصر الله يكون بنصر دينه؛ بتبليغه، والعمل به، والذبِّ عنه، والغضب عند انتهاكه.

وفي الباب حديث عائشة السابق في (باب العفو).

1/649 ــ وعن أبي مسعودٍ عقبةَ بنِ عمروٍ البدريِّ رضي الله عنه قال: جاءَ رَجُلٌ إلىٰ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: إنِّي لأَتأخَّر عَن صَلاةِ الصُّبـْحِ مِن أجْلِ فلانٍ مِمَّا يُطِيل بِنَا، فَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم غضِبَ في مَوْعِظَةٍ أَشَدَّ مِمَّا غَضِبَ يَومئِذٍ، فقال: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ: إنَّ مِنْكُم مُنَفِّرِين، فَأَيُّكُم أَمَّ النَّاسَ فَليُوجِزْ، فإنَّ مِنْ ورائِهِ الكَبيرَ والصَّغِيرَ وَذا الحَاجَةِ». متفقٌ عليه.

هداية الحديث:

1) علىٰ الداعية أن يعرض للناس دين الله بطمأنينة ورضىٰ وبلاغ حسن.

2) بيان غضب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم عند الموعظة لانتهاك حرمات الله، فعلىٰ العبد أن يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم في الانتصار للدين.

3) لا يجوز للإمام أن يُثقل علىٰ الناس في الصلاة بأكثر مما جاءت به السنّة.

فائدة:

الأئمة في أداء الصلاة ينقسمون ثلاثةَ أقسام:

1ــ قسم مُفَرِّط: أي مضيِّع؛ يُسرع سرعةً تمنع المأمومين من فعل ما يُسَنُّ فعله في الصلاة، فهذا مخطئ وآثم، ولم يؤدِّ الأمانة التي عليه.

2 ــ وقسم مُفْرِط: أي زائد، يثقل بالناس وكأنه يصلِّي لنفسه، وهذا أيضاً مخطئ، ظالم لنفسه.

3 ــ وقسم وسط خيار: وهو من يصلِّي صلاة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، فهذا خير الأقسام، وهو الذي قام بالأمانة علىٰ الوجه الأكمل.

2/650 ــ وعن عائشةَ رضي الله عنها قالت: قَدِمَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، وقَد سَترْتُ سَهوَةً لي بِقِرامٍ فيهِ تَمَاثِيلُ، فَلمَّا رَآهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم هَتكَهُ، وتَلَوَّنَ وجهُهُ، وَقال: «يَا عَائِشَةُ! أَشَدُّ النَّاسِ عَذَاباً عِنْدَ الله يَوْمَ القِيامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ الله». متفق عليه.

«السَّهْوَةُ»: كالصُّفَّة تَكُونُ بين يدي البيت. و«القِرام» بكسر القاف: سِتر رقيق. و«هتكه»: أفسد الصورة التي فيه.

غريب الحديث:

يُضاهون: يشبِّهون ما يصنعونه بصنع الله _عز وجل_.

هداية الحديث:

1) الترغيب في الغضب إذا انتهكت حرمات الله _عز وجل_؛ لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم غضب وهتك الستر الذي فيه تماثيل.

2) علىٰ الرجل المسلم أن يكون قوّاماً علىٰ أهل بيته، يأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، ويتفقد بيته؛ لكيلا يدخل فيه شيء مما حرّم الله تعالىٰ.

فائدة:

ــ الصور تنقسم في حكمها ثلاثة أقسام:

1ــ الصور المجسمة (كالتماثيل والمنحوتات).

فإن كانت الصور لذوات الأرواح (كالإنسان والحيوان) فهي محرمة ويدخل فاعلها في الوعيد الشديد.

وأما إن كانت لغير ذوات الأرواح (كالشجر والأواني) فهي جائزة.

2 ــ الصور غير المجسمة (المرسومة باليد): فهي كالصور المجسمة إن كانت لذوات الأرواح فهي محرمة، وإن كانت لغير ذوات الأرواح فهي جائزة.

3 ــ الصور غير المجسمة المصورة بالآلات الحديثة (الفوتوغرافية): فهي موضع خلاف بين أهل العلم، فيرىٰ بعضهم: أنها مباحة إن استخدمت في المباحات، ومحرمة إذا استخدمت في الحرام.

ولا ينطبق على فاعلها الوعيد الشديد المذكور، لأن المصور بهذه الآلة لا يضاهي بفعله خلق الله _عز وجل_ كما يفعله المصور باليد.

ــ ويرىٰ آخرون من أهل العلم: أن التصوير لذوات الأرواح بكافة أشكاله محرم ولا يجوز فعله، إلا ما كان لضرورة، أو حاجة، كصورة البطاقة الشخصية أو جواز السفر. والله أعلم.

3/651ــ وعنها أَنَّ قرَيشاً أَهَمَّهُم شَأْنُ المَرأَةِ المَخزُومِيَّةِ التي سَرَقَتْ، فقالوا: من يُكَلِّمُ فِيها رسولَ الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: مَن يَجْتَرىٰءُ عَلَيْهِ إلا أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ حِبُّ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؟ فَكَلَّمَهُ أسامةُ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أتشفَعُ في حَدٍّ مِن حُدُودِ الله؟» ثم قامَ فَاخْتَطَبَ، ثم قال: «إنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ قَبلَكُم أَنَّهُم كانُوا إذَا سَرَقَ فيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وإذا سَرَقَ فيهِمُ الضَّعِيْفُ أَقامُوا عَلَيهِ الحَدَّ، وَأيْمُ الله، لو أَنَّ فَاطِمَةَ بنتَ محمَّدٍ سَرَقَت لَقَطَعْتُ يَدَها». متفقٌ عليه.

غريب الحديث:

يجترئ عليه: يقوىٰ علىٰ الحديث معه.

حِبّ رسول الله: محبوبه، يعني أنه يحبه.

اخْتطب: خطب.

هداية الحديث:

1) الغضب لله _عز وجل_ محمود أبداً، وأما الغضب للانتقام وحظ النفس فإنه مذموم غالباً.

2) شرف الجاني لا يُسقط الحدّ عنه، فأحكام الشرع يستوي فيها الشريف والوضيع.

3) التفريق بين الناس في إقامة حدود الله ظلم، يجلب الهلاك للأمة.

4) التشديد في الإنكار علىٰ مَن تهاون في حدّ مِن حدود الله، أو رخّص في تركه، أو تعرّض للشفاعة فيمن وجب عليه.

5) بيان منزلة أسامة بن زيد رضي الله عنهما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان معروفاً بأنه حِبُّ رسول الله، وكذلك أبوه زيد بن حارثة رضي الله عنه.

4/652 ــ وعن أنس رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَىٰ نُخَامَةً في القِبلَةِ، فَشَقَّ ذلِكَ عَلَيهِ حتَّىٰ رُئِيَ في وَجهِهِ، فَقَامَ، فَحَكَّهُ بِيَدِهِ، فقال: «إنَّ أَحَدَكم إذَا قَامَ في صَلاتِهِ فَإنَّهُ يُنَاجِي رَبَّه، وإنّ رَبَّهُ بِيْنَهُ وَبَينَ القبْلَةِ، فَلا يَبْزُقَنَّ أَحَدُكُم قِبَلَ القِبْلَةِ، ولكِنْ عَن يسَارِهِ، أَوْ تَحتَ قَدَمِهِ» ثُمَّ أَخَذَ طَرَفَ رِدَائِهِ فَبَصَقَ فيهِ، ثَم رَدَّ بَعْضَهُ عَلىٰ بَعْضٍ، فقال: «أَوْيَفْعَلُ هكَذَا». متفقٌ عليه.

وَالأمرُ بالبُصَاقِ عَنْ يَسَارِهِ أو تَحْتَ قَدَمِهِ هُوَ فِيما إذا كانَ في غَيْرِ المَسجِدِ، فَأَمَّا في المَسجِدِ فَلا يَبصُقُ إلَّا في ثَوبِهِ.

غريب الحديث:

فشقَّ عليه: فعظُم عليه وصعُب.

هداية الحديث:

1) إظهار الكراهية والغضب عند انتهاك حرمة المساجد.

2) علىٰ الداعية إذا ذكر للناس ما هو ممنوع، أن يذكر لهم ما هو جائز، حتىٰ لا يَسُدَّ أبواب الخير على الخلق، فإن النفوس خُلقت لتعمل لا لتترك.

3) إظهار التعليم بالفعل، لقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «أو يقول هكذا»، وبصق في طرف ثوبه وحكّ بعضه في بعض.