قال الله تعالىٰ: {وَٱخفِض جَنَاحَكَ لِمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلمُؤمِنِينَ} [الشعراء: 215]، وقال تعالىٰ: {إِنَّ ٱللَّهَ يَأمُرُ بِٱلعَدلِ وَٱلإِحسَٰنِ وَإِيتَآيِٕ ذِي ٱلقُربَىٰ وَيَنهَىٰ عَنِ ٱلفَحشَآءِ وَٱلمُنكَرِ وَٱلبَغيِ يَعِظُكُم لَعَلَّكُم تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90].
يجب علىٰ ولاة الأمور ــ القائمون بأمر الشرع ــ الرفق بالرعية، والإحسان إليهم، ودفع الشر عنهم، وغير ذلك مما تقوم به مصالحهم، ويجب علىٰ الرعية السمع والطاعة لهم في غير المعصية، كما ويجب النصح لهم، وعدم إثارة الناس عليهم، وطيّ مساوئهم وبيان محاسنهم؛ لأن نشر مساوئ ولاة الأمور أمام الناس لا يزيد الأمر إلا شدّة، فتحمل صدور الناس الكراهية والبغضاء لهم، وهذا يؤدي إلىٰ تفرّق الأمة وتمزّقها.
1) علىٰ ولي الأمر الشرعي أن يقيم العدل في رعيته، وأن يكون رحيماً شفوقاً بهم.
2) النهي عن كلّ ما يُستفحش من الذنوب شرعاً وعُرفاً، وعن كلّ ما يُنكر، وعن البغي، فالواجب علىٰ أهل الإيمان (العامة وولاة الأمور) رعاية هذه الحقوق.
1/653 ــ وعن ابنِ عُمرَ رضي الله عنهما قال: سمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كُلُّكُم رَاعٍ، وكُلُّكُم مَسْؤُولٌ عَنْ رعِيَّتِهِ: الإمَامُ راعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِه، وَالرَّجُلُ رَاعٍ في أَهْلِهِ وَمَسؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرأَةُ رَاعِيَةٌ في بَيْتِ زَوجِهَا وَمَسؤُولةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ رَاعٍ في مالِ سَيِّده وَمَسؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُم رَاعٍ وَمَسؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». متفقٌ عليه.
1) بيان مسؤولية الإمام في رعيته؛ بأن يجلب لهم كلّ خير، ويدفع عنهم كلّ شرّ.
2) إن تضييع أمر المسلمين فيه تضييعٌ للوصيّة النبوية « كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيته».
2/654ــ وعن أبي يَعْلىٰ مَعْقِلِ بنِ يَسَارٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما مِنْ عَبْدٍ يَستَرعِيهِ اللهُ رعِيَّةً، يَمُوتُ يَومَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الجَنَّةَ». متفقٌ عليه.
وفي روايةٍ: «فَلَمْ يَحُطْهَا بِنُصْحِه لَمْ يَجِدْ رَائحَةَ الجَنَّةِ».
وفي روايةٍ لمسلم: «ما مِن أَمِير يَلِي أُمورَ المُسلِمِينَ، ثُمَّ لا يَجْهَد لَهُم، ويَنْصَحُ لَهُم، إلَّا لَمْ يَدخُل مَعَهُمُ الجَنَّةَ».
يسترعيه: يفوّض إليه رعاية وسياسة رعيته.
لا يجهد لهم: يتعب من أجلهم.
1) التحذير من غش الرعية، وخيانتهم وتضييع حقوقهم.
2) من النصيحة لمن ولَّاهم الله أمر الناس، أن يسلك بهم الطريق التي فيها صلاحهم في معادهم ومعاشهم، ويمنع عنهم كلّ ما يضرّهم في دينهم ودنياهم. فمثلاً: يمنع عنهم الأفكار السيِّئة، وأبواب الشيطان عبر وسائل الإعلام، فهل من متعظ؟!.
3/655ــ وعن عائشةَ رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بَيتي هذَا: «اللهمَّ مَن وَلِيَ مِن أَمر أُمَّتي شَيْئاً، فَشَقَّ عَلَيهم، فَاشقُقْ عليه، وَمَن وَلِيَ مِنْ أمرِ أُمَّتي شَيْئاً، فَرَفَقَ بِهِم، فَارفُقْ بِهِ». رواه مسلم.
1) الجزاء من جنس العمل؛ فمَنْ شقّ علىٰ أمة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم شقّ الله عليه، ومن رفق بهم رفق الله به.
2) حرص الرسول صلى الله عليه وسلم علىٰ سلامة أمته من بعده، وإظهار شفقته عليهم.
3) الرفق: أن تسير بالناس حسب أمر الله تعالىٰ وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن تسلك بهم أقرب الطرق وأيسرها، ولا تشقّ عليهم في إيجاب شيء ليس واجباً في الشريعة. أو منع أمر قد أذنت به الشريعة.
4/656ــ وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «كَانَت بَنُو إسرائيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ. قالوا: يَا رسولَ الله، فَمَا تَأْمُرُنا؟ قال: أَوْفُوا بِبَيْعَةِ الأَوَّلِ فالأَوَّلِ، أَعْطُوهُم حَقَّهُم، وَاسأَلوا الله الَّذي لَكُم، فإنَّ اللهَ سَائِلُهُم عَمَّا استَرعاهُم». مُتَّفق عَلَيْه.
تسوسهم الأنبياء: أي تُبعث فيهم، فيُصلحون أحوالهم ويرعون شؤونهم.
أوفوا ببيعة الأوّل: الزموا بيعته، وأدّوا حقّ طاعته.
1) دين الله ــ وهو دين الإسلام الصالح لكلِّ مكان وزمان ــ فيه الشريعة المرضية، والسياسة الشرعية، فالإسلام شريعة وسياسة، ومن فرّق بين السياسة النافعة، والشريعة النبوية، لم يفقه نظام التشريع ومقاصده.
2) أولو الأمر في هذه الأمة هم العلماء والخلفاء، ولا بد للرعية من قائم يقوم بأمرها، ويحملها علىٰ الطريق المستقيم، ويكفيها شرّ الظالمين.
3) عظم مسؤولية الإمام، فإن الله سيسأله عمّا فعل في ولايته وعن رعيته، فَلْينظر أين يضع قدمه؟!.
5/657ــ وعن عائِذِ بنِ عمروٍ رضي الله عنه أنّه دَخَلَ عَلىٰ عُبَيْـدِ الله بن زِيَادٍ، فقال له: أَيْ بُنـَيَّ! إنِّي سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ شَرَّ الرِّعَاءِ الحُطَمَةُ»، فَإيَّاكَ أن تكُونَ مِنْهُم. متفقٌ عليه.
الرِّعاء: جمع راعٍ.
الحُطَمة: الذي يحطم الناس ويشقّ عليهم ويؤذيهم.
1) الحذر من العنف لمن ولاه الله أمراً من أمور المسلمين.
2) وجوب رفق الوالي بالرعية، مع كونه يستعمل الحزم والقوة والنشاط،فهو ليِّنٌ من غير ضعف، وحازمٌ من غير عنف.
3) خير الرعيّة الليّن السهل، الذي يصل إلىٰ مقصوده دون عنف.
6/658ــ وعن أَبي مَريمَ الأزدِيِّ رضي الله عنه أنه قال لِمُعَاوِيَة رضي الله عنه: سَمِعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ وَلَّاه شَيْئاً مِن أمورِ المُسلِمِينَ، فَاحتَجَبَ دُونَ حَاجَتِهِم وخَلَّتِهِم وفَقرِهِم، احتَجَبَ اللهُ دُونَ حَاجَتِه وخَلَّتِهِ وفَقرِهِ يَومَ القِيامَةِ » فَجَعَلَ مُعَاوِية رجُلاً علىٰ حَوَائجِ الناسِ. رواه أبو داود والترمذي.
خَلَّتِهم: الحاجة والفقر.
1) الجزاء من جنس العمل؛ فمن احتجب عن العبادِ، احتجب الله عنه يوم التناد.
2) سرعة استجابة الصحابة رضي الله عنهم للالتزام بسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعظيمهم لها، ولنا فيهم أسوة حسنة، فَاحرصْ يا أخي علىٰ الالتزام بهدي النَّبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام، وهدي صحابته رضي الله عنهم.