قال الله تعالىٰ: { يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمرِ مِنكُم} [النساء: 59].
ولاة الأمور قسمان: العلماء والأمراء.
ــ أما العلماء؛ فهم ولاة أمور المسلمين في بيان الشرع، وتبليغه الأُمَّة.
ــ وأما الأمراء؛ فهم ولاة الأمور في إقامة الشريعة، وإلزام الناس بها، ولا قيام للأمراء إلا عن طريق العلماء، فإذا علموا الشرع أقاموه علىٰ الخلق، فتقوم مصالح الأفراد والأمة: بالكتاب الهادي، والسيف الناصر. {وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِيا وَنَصِيرا}.
1) طاعة ولاة الأمور تابعة للشرع لا مستقلة، أما طاعة الله، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم فهي مستقلة، ولهذا أعاد فيها الفعل، فقال: {أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ}.
2) إن ولاة الأمور فوقهم حكم الله جلّ في عُلاه، فإذا أمروا بمخالفته فلا سمع لهم ولا طاعة.
1/663 ــ وعن ابنِ عُمرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «عَلىٰ المَرْءِ المُسْلِمِ السَّمْعُ والطَّاعَةُ فِيما أَحَبَّ وكَرِهَ، إلا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَإذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلا سَمْعَ وَلا طَاعَةَ». متفقٌ عليه.
2/664 ــ وعنْه قال: كُنَّا إذا بَايَعنا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَلىٰ السَّمْعِ والطَّاعَةِ يَقُولُ لَنَا؟ «فِيما اسْتَطَعْتُمْ» متفق عليه.
1) علىٰ المرء المسلم أن يسمع ويطيع لولاة الأمور، فيما يحب وفيما يكره، إلا أن يُؤمر بمعصية الله فلا طاعة فيها.
2) بطلان مسلك من يقول: (لا نطيع ولاة الأمور إلا فيما أمرنا الله به)؛ لِـمَـا تقرر في الشرع من وجوب طاعتهم بالاستطاعة، ولما يترتب علىٰ عدم الطاعة من المفاسد العامة.
أوامر ولاة الأمور تنقسم ثلاثة أقسام:
الأول: أن يأمروا بما أمر الله به، فهنا تجب طاعتهم لوجهين:
الوجه الأول: لأنه مما أمر الله به، والثاني: لأنه مما أمروا به.
الثاني: أن يأمروا بمعصية الله، فهنا لا سمع ولا طاعة لهم في هذه المعصية، ولكن نطيعهم في غير ذلك.
الثالث: إذا أمروا بشيء ليس فيه أمر ولا نهي، فيجب طاعتهم، لما في الطاعة من الخير والاجتماع والرحمة.
3/665ــ وعنهُ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ خَلَعَ يَداً مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللهَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ في عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً». رواه مسلم.
وفي رواية له: «وَمَنْ مَاتَ، وَهُوَ مُفَارِقٌ للْجَمَاعَةِ، فَإِنَّهُ يموتُ مِيتَة جَاهِلـِيَّةً». «المِيتَة» بكسر الميم.
1) وجوب التزام جماعة المسلمين ومبايعة إمامهم، وتحريم الخروج علىٰ وليّ الأمر الشرعي.
2) عظم شأن البيعة لما فيها من المصالح، والتحذير من نقضها لما فيه من المفاسد.
4/666ــ وعَنْ أنسٍ رضي الله عنه قال: قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «اِسْمَعُوا وأَطِيعُوا، وَإنِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ، كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ». رواه البخاري.
5/667 ــ وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «عَلَيْكَ السَّمعُ وَالطَّاعَةُ في عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ، وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ، وَأَثرَةٍ عَلَيْكَ» رواه مسلم.
كأن رأسَه زَبيبة: جعد الشعر.
أثرةٍ عليك: الاستئثار والاختصاص بأمور الدنيا ومنع الحق الواجب.
1) علىٰ العبد السمع والطاعة لولي الأمر دون النظر إلىٰ لونه أو جنسه.
2) الثبات علىٰ السمع والطاعة حتىٰ في حال منعَ وليُّ الأمرِ المسلمِ الحقوقَ، فليس استئثار وُلاة الأمور مانعاً من السمع والطاعة لهم.
6/668 ــ وعن عبدِ الله بنِ عمروٍ رضي الله عنهما قال: كُنَّا مَعَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ، فَنَزَلْنا مَنْزِلاً، فَمِنَّا مَنْ يُصْلحُ خِبَاءَه، وَمِنَّا مَنْ يَنْتَضِلُ، وَمِنَّا مَنْ هُوَ في جَشَرِه، إذْ نَادَىٰ مُنَادي رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: الصَّلاةَ جامِعَةً. فَاجْتَمَعْنَا إلىٰ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «إنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إلَّا كَانَ حَقّاً عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلىٰ خَيرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ ما يَعْلَمُه لَهُمْ، وَإنَّ أُمَّتكُمْ هذِه جُعِلَ عَافِيَتُهَا في أَوَّلِهَا، وَسَيُصِيبُ آخرَهَا بَلاَءٌ وَأُمُورٌ تُنكِرُونَهَا، وَتَجِيءُ فِتَنٌ يُرقِّقُ بَعْضُها بَعْضاً، وَتجيءُ الفِتْنَةُ، فَيَقُولُ المُؤْمِنُ: هذِهِ مُهْلِكَتي، ثُمَّ تَنكَشِفُ. وتَجِيءُ الفِتْنَةُ، فَيَقُولُ المُؤْمِنُ: هذِهِ هذِهِ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ، ويُدْخَلَ الجَنَّةَ، فَلتَأتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِالله وَاليوْمِ الآخِرِ، وَلْيَأْتِ إلىٰ النَّاسِ الَّذي يُحِبُّ أَنْ يُؤتىٰ إلَيهِ، وَمَنْ بَايَعَ إمَاماً فَأعطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إنِ اسْتَطَاعَ، فَإنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآخَر». رواه مسلم.
قَوْله: «يَنْتَضِلُ» أي: يُسَابِقُ بالرَّمْيِ بِالنَّبْلِ والنُّشَّابِ. «وَالجَشَرُ» بفتح الجيمِ والشين المعجمةِ وبالراء: وهيَ الدَّوابُّ التي تَرْعَىٰ وتَبِيتُ مَكانَها. وقوله: «يُرَقِّقُ بعضُهَا بَعْضاً» أي: يُصَيِّرُ بَعْضَهَا رَقِيقاً، أي: خَفِيفاً لِعِظَمِ ما بَعدَهُ، فالثَّاني يُرَقّقُ الأوَّلَ. وقيلَ: مَعنَاهُ: يُشَوِّقُ بَعْضُهَا إلىٰ بَعْضٍ بتحْسِينِها وتسويلها، وقِيلَ: يُشْبِهُ بَعضُها بَعْضاً.
خِباءَه: ما يختبئ فيه، ويصنع من وبر أو شعر أو صوف.
فأعطاه صفقة يده: ضرب اليد علىٰ اليد، وكانت العرب تفعله إذا أوجبت البيع، ثمَّ استعملت في عقد المبايعة.
1) بيان منهج الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام في حرصهم علىٰ دلالة الأمم علىٰ الخير، وبذل النصيحة لأقوامهم. وهكذا يجب علىٰ أهل العلم وطلبته أن يبيّنوا للناس الخير، ويحثّوهم عليه، ويبيّنوا لهم الشرّ، ويحذروهم منه.
2) علىٰ المؤمن أن يصبر ويحتسب ويلجأ إلىٰ اللهِ _عز وجل_، ويستعيذ به زمن الفتن.
3) وجوب طاعة ولي الأمر، وقتال الفئة التي تخرج علىٰ الإمام الشرعي، وتشقّ عصا الطاعة، وذلك للحفاظ علىٰ وحدة جماعة المسلمين، وعدم تفريق كلمتها.
7/669ــ وعن أبي هُنـَيْدَةَ وائِلِ بن حُجْرٍ رضي الله عنه قالَ: سَأَلَ سَلَمَةُ بنُ يَزيدَ الجُعْفيُّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقالَ: يَا نَبيَّ الله، أَرأَيْتَ إنْ قَامَتْ عَلَيْنَا أُمَراءُ يَسْأَلُونَا حَقَّهُمْ، ويمْنَعُونَا حَقَّنَا، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ فَأَعْرَضَ عنه، ثمَّ سَأَلَهُ فقَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا؟ فَإنَّمَا عَلَيْهِمْ ما حُمِّلُوا، وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ». رَوَاهُ مُسلم.
8/670ــ وَعَنْ عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّهَا سَتكُونُ بَعْدِي أَثَرَةٌ، وَأمُورٌ تُنْكِرُونَهَا» قالوا: يا رسُولَ الله، كَيْفَ تَأْمُرُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَّا ذلِكَ؟ قَالَ: «تُؤَدُّونَ الحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ، وَتَسْأَلُونَ اللهَ الَّذِي لَكُمْ». متفقٌ عليه.
1) كلُّ شخصٍ مسؤول عن عمله ومؤاخذٌ بتقصيره، فالخطأ لا يعالج بخطأ مثله، فتقصير الحكام المسلمين في واجبهم، لا يسوِّغ تقصير الرعية في واجبهم!.
2) إخبار النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بما سيُحدِثه الأمراءُ والحكام من الأمور المنكرة في شرع الله، فالواجب مناصحتهم، والصبر علىٰ أذيتهم.
3) إن المنكرَ الواقعَ من ولاة الأمر ليس إلَّا صورة أعمال الرعايا «كما تكونوا يُولَّ عليكم»، {إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَومٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۗ}.
9/671 ــ وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَىٰ اللهَ، وَمَنْ يُطعِ الأمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَني، وَمَنْ يَعْصِ الأمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي». متفقٌ عليه.
1) إن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم من طاعة الله _عز وجل_، فإذا أمر بشيء فهو شرع من الله سبحانه وتعالىٰ.
2) طاعة ولي الأمر المسلم من طاعة الشرع، فيجب طاعتهم إلا في معصية الله، فطاعتهم في المعروف قربة إلىٰ الله يثاب عليها العبد.
10/672 ــ وعن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَن كَرِهَ مِن أَمِيرِهِ شَيْئاً فَلْيَصْبِرْ؛ فإنَّهُ مَن خَرَجَ مِنَ السُّلطَانِ شِبراً مَاتَ مِيتَةً جاهِلِيَّةً». متفق عليه.
1) من خرج عن الجماعة يوشك أن يزيغ قلبه، حتىٰ تكون هذه المعصية سبباً لانتكاسته، فيموت ميتة جاهلية؛ لأن أهل الجاهلية ليس لهم إمام ولا أمير يجمعهم علىٰ الطاعة.
2) لا يجوز منابذة ولاة الأمور، ولا يجوز أن نتكلم بين العامة فيما يثير الأحقاد والضغائن عليهم، فالشرّ لا يُدفع بالشرّ، بل ادفع الشرّ بالخير، والصبر عواقبه حميدة.
11/673 ــ وعن أبي بَكرةَ رضي الله عنه قال: سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَن أَهَانَ السُّلطان أَهَانَهُ اللهُ». رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
وفي الباب أحاديث كثيرة في الصحيح، وقد سبق بعضها في أبواب.
1) الذي يُهين السلطان المسلم بنشر معايبه بين الناس، وذمّه والتشهير به، يكون عُرضة لأن يُهينه اللهُ _عز وجل_، فالجزاء من جنس العمل.
2) إن إهانة السلطان المسلم سببٌ لضعف هيبته، وسببٌ لضعف تعظيم الشرع، فإن العمل بالشرع إعزاز للمشروع.