اللغات المتاحة للكتاب Indonesia English

85 ــ باب حفظ السِّرّ

قال الله تعالىٰ: {وَأَوفُواْ بِٱلعَهدِ إِنَّ ٱلعَهدَ كَانَ مَس‍ُٔولا} [الإسراء: 34].

فائدة:

السِّرّ: هو ما يقع خفية بينك وبين صاحبك، ولا يحل لك أن تُفشي هذا السِّرّ وتُبيّنه لأحد، سواءٌ أوصاك باللفظ، كأن يقول لك: لا تُخبر أحداً، أو عُلم بالقرينة الفعلية، كأن يحدّثك وهو يلتفت، يخشىٰ أن أحداً يسمع، لأن معنىٰ التفاته أنه لا يحب أن يطّلع عليه أحد، أو عُلم بالقرينة الحالية، كأن يكون هذا الذي حدّثك به من الأمور التي يُستحيا ويُخشىٰ من ذكرها، فلا يحلّ في كل هذه الأحوال أن تبيّن السِّرّ وتفشيه.

هداية الآيات:

1) الواجب الوفاء بجميع ما يشترطه الناسُ من العقود، إلا شرطاً أحل حراماً، أو حرم حلالاً.

2) إن حفظ السرّ من العهد الذي أُمر العبد بحفظه.

1/685 ــ عن أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِندَ الله مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إلىٰ المَرْأَةِ وَتُفْضِي إلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا». رواه مسلم.

غريب الحديث:

أشَرِّ: هذه لغة قليلة، لأن اللغة المشهورة حذف الهمزة، أي: (مِن شَرِّ).

يُفضي: كناية عن الجماع ومقدماته.

هداية الحديث:

1) الواجب حفظ أحوال البيوت والفرش، فالمجتمع المسلم طاهر عفيف.

2) إن من أصول المعاشرة الزوجية حفظ ما يكون بين الزوجين من العشرة.

2/686ــ وعن عبدِ الله بنِ عمرَ رضي الله عنهما أَنَّ عمرَ رضي الله عنه حينَ تَأَيَّمَتْ بِنْتُهُ حَفْصَةُ قال: لَقِيت عُثْمَانَ بْنَ عَفَّان رضي الله عنه ، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَفْصَةَ، فَقلتُ: إنْ شِئْتَ أنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنتَ عُمَرَ؟ قال: سَأَنْظُرُ في أَمْرِي. فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ، ثُمَّ لَقِيَني، فقال: قَدْ بَدَا لي أَنْ لاَ أَتَزَوَّجَ يَوْمِي هذا. فَلَقِيتُ أبا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه، فقلت: إنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفصَةَ بِنْتَ عُمَرَ، فَصَمَتَ أَبو بَكْرٍ رضي الله عنه ، فَلَمْ يَرْجِعْ إليَّ شَيْئاً، فَكُنْتُ عَلَيْهِ أَوْجَدَ مِنِّي عَلىٰ عُثْمَانَ. فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ، ثُمَّ خَطَبَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ، فَأَنْكَحْتُها إيَّاهُ. فَلَقِيَني أَبُو بَكْرٍ، فقالَ: لَعَلَّكَ وَجَدْتَ عَلَيَّ حِينَ عَرَضْتَ عَلَيَّ حَفْصَةَ فَلَمْ أَرْجَعْ إلَيْكَ شَيْئاً؟ فقلت: نَعَمْ، قال: فَإنَّهُ لَمْ يَمْنَعْني أَنْ أَرْجِعَ إلَيْكَ فِيمَا عَرَضْتَ عَلَيَّ إلَّا أنِّي كُنْتُ عَلِمْتُ أَنَّ النَّبِيَّ ذَكَرَهَا، فَلَمْ أَكُنْ لأُفْشِيَ سِرَّ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ، وَلَوْ تَرَكها النَّبيُّ لقًبِلْتهُا. رواه البخاري.

قوله: «تَأَيَّمَتْ» أيْ: صَارَتْ بِلا زَوْجٍ، وَكَانَ زَوْجُهَا تُوُفِّيَ رضي الله عنه . «وَجَدْتَ»: غَضِبتَ.

غريب الحديث:

تأيَّمت: قال النووي ــ رحمه الله ــ : «صارت بلا زوج»، وزوجها هو خُنيس بن حذافة السهمي أخو عبد الله بن حذافة رضي الله عنهما، وكان من أصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، تُوفّي بالمدينة من جراحة أصابته بأُحد.

هداية الحديث:

1) جواز عرض الإنسان زواج ابنته أو أخته علىٰ أهل الخير والصلاح، لما فيه النفع العائد علىٰ الجميع.

2) فضل كتمان السرّ والمبالغة في إخفائه، فإذا أظهره صاحبه ارتفع الحرج عمّن سمعه.

3) المعاتبة لا تُفسد المحبة، ويُستحب لمن أبدىٰ عذره أن يُقبل منه ذلك.

3/687ــ وعن عائشةَ رضي الله عنها قالتْ: كُنَّ أَزْواجُ النَّبيِّ عِنْدَهُ، فَأَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ رضي الله عنها تَمْشِي، مَا تخْطِئُ مِشْيَتُهَا مِنْ مِشْيَةِ رسولِ الله شَيْئاً، فَلَمَّا رَآها رَحَّبَ بِهَا، وقال: «مَرْحَباً بِابْنِتي» ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ سَارَّهَا، فَبَكَتْ بُكَاءً شَدِيداً، فَلَمَّا رَأَىٰ جَزَعَهَا، سَارَّهَا الثَّانِيَةَ فَضَحِكَتْ، فَقلتُ لَهَا: خَصَّكِ رسولُ الله مِنْ بَيْنِ نِسَائِهِ بِالسِّرَارِ، ثُمَّ أَنْتِ تَبْكِينَ؟ فَلَمَّا قَامَ رسولُ الله سَأَلْتُهَا: مَا قَالَ لكِ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت: مَا كُنْتُ أَفْشِي عَلىٰ رسولِ الله سِرَّهُ. فَلَمَّا تُوُفِّيَ رسولُ الله قلتُ: عَزَمْتُ عَلَيْكِ بِمَا لِي عَلَيْكِ مِنَ الحَقِّ، لَمَّا حَدَّثْتِني ما قال لكِ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالتْ: أَمَّا الآنَ فَنَعَمْ، أَمَّا حِينَ سَارَّني في المَرَّةِ الأولىٰ فَأَخْبَرَني: «أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ الْقُرْآنَ في كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً أَوْ مرَّتَيْنِ، وَأَنـَّهُ عَارَضَهُ الآنَ مَرَّتَيْنِ، وَإنِّي لا أُرَىٰ الأَجَلَ إلَّا قَدِ اقْتَرَبَ، فَاتَّقِي الله وَاصْبِري، فَإنَّهُ نِعْمَ السَّلَفُ أنا لَكِ» فَبَكَيْتُ بُكَائِي الَّذِي رَأَيْتِ. فَلَمَّا رَأَىٰ جَزَعي سَارَّني الثّانِيَةَ، فقال: «يَا فَاطِمَةُ أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تكوني سَيِّدَةَ نِسَاءِ المُؤْمِنِينَ، أَوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هذِه الأُمَّةِ؟» فَضحِكتُ ضَحِكي الَّذِي رَأَيْتِ. متفقٌ عليه. وهذا لفظ مسلم.

غريب الحديث:

يُعارِضُه القرآن: يُدارسه القرآن.

هداية الحديث:

1) بيان فضيلة فاطمة رضي الله عنها؛ فهي سيدة نساء هذه الأمّة.

2) استحباب كتم السرّ وعدم إفشائه حتىٰ يزول المانع من ذلك، فهذه الطيّبة الطاهرة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حفظت سرَّه طيلة حياته رضي الله عنها.

3) جواز البكاء الخالي من الصراخ والعويل والنياحة ولطم الخدود، لأنه رحمة جعلها الله في قلب عبده المؤمن.

4) جواز قول الرجل: «مرحباً» ونحوها من عبارات التحية، وأولاها قول: «السلام عليكم».

4/688ــ وعن ثابتِ عن أنسٍ رضي الله عنه قال: أَتَىٰ عَلَيَّ رسولُ الله وَأَنا أَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَسَلَّمَ عَلَيْنَا، فَبَعَثَني في حاجَةٍ، فَأَبْطَأْتُ عَلىٰ أُمِّي. فَلَمَّا جِئْتُ قالت؟ مَا حَبَسَكَ؟ فقلتُ: بَعَثَني رسولُ الله لحَاجَة، قالت: مَا حَاجَتُهُ؟ قلتُ: إنَّهَا سِرٌّ. قالتْ: لا تخبِرَنَّ بِسِرِّ رسولِ الله أَحَداً.

قال أَنسٌ: وَالله لَوْ حَدَّثْتُ بِهِ أَحَداً لَحَدَّثْتُكَ بِهِ يَا ثَابِتُ. رواه مسلم، وروىٰ البخاري بَعْضَهُ مُخْتَصراً.

هداية الحديث:

1) حسن خلق النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وتواضعه، فهو مع مكانته عند الله، وعند خلقه، يتواضع حتىٰ إنه ليُسلّم علىٰ الصبيان وهم يلعبون!.

2) حسن تربية أم سُلَيم لابنها رضي الله عنهما؛ إذ أوصَتْه: «لا تُخبِرنَّ أحداً بسرِّ رسول الله»، تأييداً وتثبيتاً. فأين أمهات الأجيال اليوم؟!

3) لا يجوز للإنسان أن يُفشي سرّ شخص ما، حتىٰ لأمّه وأبيه وأقرب الناس إليه.