اللغات المتاحة للكتاب Indonesia English

91 ــ باب الوعظ والاقتصاد فيه

قال الله تعالىٰ: {ٱدعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلحِكمَةِ وَٱلمَوعِظَةِ ٱلحَسَنَةِ} [النحل: 125].

فائدة:

الوعظ: هو ذكر الأحكام الشرعية مقرونة بالترغيب والترهيب، وأعظم واعظ به الوحي المنزل من الكتاب والسنّة، لأنه جامعٌ للخير كلّه، لكن علىٰ الواعظ الاقتصاد في الموعظة، لعدم إدخال الملل و السآمة علىٰ الناس فيما يعظ به، لأن النفوس إذا ملَّت كلَّت وتعبت.

هداية الآية:

1) الدعوة إلىٰ دين الله بالحكمة، وذلك بأن تُنَزَّلَ الأمور منازلها، في الوقت المناسب، والكلام المناسب، والمكان المناسب.

2) اجعل دعوتك مقرونة بموعظة حسنة، من حيث الأسلوب والصياغة، ومن حيث الإقناع بأدلة الوحي المنزل، فخير القول ما كان فيه: «قال الله تعالىٰ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم».

1/699ــ عن أَبي وَائِلٍ شَقِيقِ بن سَلَمَةَ قال: كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه يُذَكِّرُنَا في كُلِّ خَمِيسٍ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمنِ، لَوَدِدْتُ أَنَّكَ ذَكَّرْتَنَا كُلَّ يَوْمٍ، فقال: أَما إنَّهُ يَمْنَعني مِنْ ذلِكَ أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُمِلَّكُمْ، وَإنِّي أَتخَوَّلُكُمْ بِالمَوْعِظَةِ كَمَا كَانَ رسولُ الله يَتَخَوَّلنَا بِها مَخَافَةَ السَّآمَةِ علينا. مُتَّفق عَليه.

«يَتَخَوَّلنا»: يَتَعَهَّدنا.

هداية الحديث:

1) استحباب التخفيف في الوعظ خشية الملل والسآمة، لأن أحب الأعمال إلىٰ الله أدومها وإن قل.

2) يوصىٰ الواعظ بعدم الاستجابة لكلّ ما يُطلب منه، بل يعظ بمقدار ما يصلح في كلّ أمر من الأمور، لأنه ينظر ببصيرة من علمه، والناس يتعاملون باندفاع عواطفهم، فيعطيهم ما يراه أصلح لهم من الهدىٰ، لا ما يطلبون من الهوىٰ.

2/700 ــ وعن أبي الْيَقْظَان عَمَّار بن يَاسر رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ رَسولَ الله يقول: «إنَّ طُولَ صَلاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فقْهِهِ، فَأَطِيلُوا الصَّلاةَ، وَأَقْصِرُوا الخُطْبَةَ». رواه مسلم.

«مَئِنَّةٌ»: بميم مفتوحة، ثم همزة مكسورة، ثم نون مشدّدة، أي: عَلامَةٌ دَالَّةٌ عَلىٰ فِقْهِهِ.

هداية الحديث:

1) علىٰ الداعي ألا يطيل علىٰ الناس، بل يعظ بما يُحصِّل المقصود، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.

2) إن من هدي النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في صلاة الجمعة أن تكون أطول من الخطبة.

3/701 ــ وعن مُعَاوِيةَ بن الحَكَم السُّلَمِيِّ رضي الله عنه قال: «بَيْنما أَنا أُصَلِّي مَعَ رسولِ الله إذا عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ الله، فَرَماني القَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمِّيَاه! مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إلَيَّ؟ فَجَعلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلىٰ أَفْخَاَدِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَني لَكِنِّي سَكَتُّ. فَلَمَّا صَلَّىٰ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّماً قَبْلَه وَلا بَعدَهُ أحْسَنَ تَعْليماً مِنْهُ، فَوَاللهِ ما كَهَرَني وَلا ضَرَبَني ولا شَتَمَني، قال: «إنَّ هذِهِ الصَّلاةَ لا يَصْلُحُ فِيها شَيْءٌ مِنْ كَلامِ النَّاسِ، إنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ والتّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ» أَو كما قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. قلت: يا رسولَ الله، إني حَدِيثُ عَهْد بِجَاهِلِيَّةٍ، وَقَدْ جَاءَ اللهُ بِالإسْلامِ، وإنَّ مِنَّا رِجالاً يَأْتُونَ الْكُهَّانَ؟ قال: «فلا تَأْتهِمْ»، قلت: ومنا رجالٌ يتَطيّرونَ؟ قال: «ذَاكَ شيْءٌ يَجِدُونَه في صُدورِهِم، فَلا يَصُدَنَّهُمْ». رواه مسلم.

«الثُكْلُ» بضم الثاء المثلّثة: المصِيبَة الفجيعَةُ. «ماكَهَرَني» أي: ما نَهَرَني.

غريب الحديث:

يتطيرون: يتشاءمون.

هداية الحديث:

1) العمل اليسير في الصلاة لا يضرّ، لأن الصحابة جعلوا يضربون بأيديهم علىٰ أفخاذهم، ولم ينكر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عليهم ذلك.

2) حسن تعليم النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، فهو يعلِّم بالرِّفق واللِّين، فعلىٰ الإنسان أن يُنزِل الناس منازلهم.

3) علىٰ أهل الوعظ والتعليم أن يلتزموا الطريقةَ النبوية في موعظة الجاهلين.

تنبيـه:

شاع بين بعض المصلين أن (ثلاث حركات تبطل الصلاة)، وهذا القول باطل بهذا الإطلاق، بل لا بد أن يعلم المصلي تفصيل الحركات في الصلاة، وهي:

1) حركة مبطلة: وهي الحركة الكثيرة المتوالية لغير ضرورة، حتىٰ يظن الناظر أن المصلي خارج الصلاة، كإخراج محفظة النقود والتفتيش فيها وإعادتها!.

2) حركة مكروهة: وهي الحركة اليسيرة لغير حاجة، كتقليب الساعة مثلاً.

3) حركة مباحة: وهي اليسيرة لحاجة، كطرد ذباب وقع علىٰ وجه المصلِّي.

4) حركة مستحبة أو مأمور بها: كالتقدم والتأخر لمصلحة الصلاة، كتعديل صف مائل أو سد فُرجة في الصف المقدم، والله أعلم.

فائدة:

أحوال الذي يأتي الكاهنَ ثلاثة:

الحالة الأولىٰ: أن يأتيه ويسأله ولا يصدّقه، فمَن فعله، لم تُقبَل له صلاة أربعين يوماً. قال صلى الله عليه وسلم: «مَن أتىٰ عرّافاً فسأله عن شيء، لم تُقبل له صلاة أربعين ليلةً». رواه مسلم.

الحالة الثانية: أن يأتيه ويسأله و يصدّقه، فهذا العمل كفر لقوله صلى الله عليه وسلم: «مَن أتىٰ عرّافاً أو كاهناً فصدّقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل علىٰ محمد». رواه أحمد.

الحالة الثالثة: أن يسأله لِيُكَذِّبَه، فيسأله اختباراً، ليفضحه ويكشف كذبه وحاله للناس، فهذا لا بأس به، بل يكون محموداً مطلوباً لما في ذلك من إبطال الباطل.

4/702 ــ وعن العِرْباضِ بن سَاريةَ رضي الله عنه قال: وَعَظَنَا رسولُ الله مَوْعِظَةً وَجِلَتْ مِنْها القُلُوبُ، وَذَرَفَتْ مِنْها العُيُونُ، وَذَكَرَ الحَدِيثَ. وَقَدْ سَبَقَ بكَمَالِهِ في باب (الأمْر بالمُحَافَظَةِ عَلىٰ السُّنَّة)، وَذَكَرْنا أَنَّ التِّرْمِذيَّ قال: إنه حديث حسنٌ صحيحٌ.

هداية الحديث:

1) بيان هدي النَّبيٍِّ صلى الله عليه وسلم في قصر الموعظة وبلاغتها.

2) وصف قلوب الصحابة رضي الله عنهم، وذوق حلاوة الإيمان في قلوبهم، إذ تأثّروا بالموعظة النبوية مباشرة.